20 - 10 - 2024

حواديت يكتبها: طاهـر البهـي | الصاغ الفنان إبراهيم الشامي

حواديت يكتبها: طاهـر البهـي | الصاغ الفنان إبراهيم الشامي

عندما تستمع إلى اللواء "إبراهيم إبراهيم الشامي" نجل الفنان المبدع إبراهيم الشامي، وهو يحدثك ـ كصديق وليس كصحفي ـ عن رحلة هذا الفنان وتنوع خبراته؛ لابد أن تنحني أمام هذه الخبرات المتنوعة، والمهام الرفيعة التي أسندت له، معلما ومتعلما، أثناء مسيرته الحياتية..على مدار يوم كامل أمضيته بصحبة الإبن الذي أوكلت إليه مهمة مدير أمن مطار القاهرة الدولي طوال سنوات مديدة، وقبل أن يحكي لابد وأن يبهرك التطابق التام في الشكل والصوت والقوام؛ بصفة خاصة عندما يرتدي الجلباب البلدي والشال والطربوش، لابد وأن يدهشك، أما إن استمعت إلى حكاياته النادرة عن والده؛ فإنك ستتشبث بمجلسه حتى موعد آخر مترو!! فهو من سكان المدن الجديدة ودائما في عجلة من العودة إلى مسكنه الراقي..

النشأة والميلاد

أما الوالد الفنان الكبير إبراهيم الشامي، الذي يشعرك بآدائه أنه والدك وصاحب الحكمة والصوت الحاسم الذي لابد وأن تصغي إليه، هو مولود بقرية "أبوصير" في محافظة الغربية بدلتا مصر، حصل على دبلوم المدارس الصناعية، والتحق للعمل في سلاح الصيانة بالجيش، شارك في تأسيس المسرح العسكرى، كان يردد أنه نصف هاوي/ نصف محترف، والأمر الثاني المدهش في مسيرة هذا الفنان المدهش أنه بدأ كوميديان من طراز فريد، عندما قدم أدوار نجم الكوميديا نجيب الريحاني من خلال المسرح العسكري، قبل أن ينتقل بشكل مفاجيء إلى الأدوار التراجيدي؛ حتى أنه بعد وفاة الريحاني، طلب من عم إبراهيم الشامي إعادة تقديم روائع الريحاني إلا أنه رفض رفضا تاما متمسكا بأدوار وشخصية جديدة، وانتقل للتمثيل بالمسرح القومي الذي وقف على خشبته إلى جوار العمالقة بكل إبداع وثبات، وبالفعل قدم أعمالا خالدة تسجل باسمه على مستوى المسرح، بعد أن تدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة الصاغ "نقيب"، بعدها استقال من أجل التمثيل الذي كان يعشقه، التحق بمعهد الفنون المسرحية وحصل على وسام المعهد للتفوق، ورغم قلة أعماله السينمائية، إلا أن أدواره في أفلام: الأرض، الزوجة الثانية، إعدام ميت ، وكتيبة الإعدام، تعد أشهر أدواره السينمائية، أبناؤه هم بالترتيب: السيدة جزاء، على، مجدى، محمود، إبراهيم، ناصر، وأسماء.

زفاف ودماء

ذات صباح عام 1985 دخلت زوجته عليه حجرة مكتبه، وجدته يراجع دوره في مسلسل "غوايش" قصة فتحية العسال، الذي لعبت بطولته أمامه: صفاء أبو السعود، نبيل الحلفاوي وفاروق الفيشاوى، وكان في نفس الوقت يحضر نفسه للسفر إلى تونس لاستكمال التصوير هناك، قالت له الزوجة التي كان يحترمها ويجلها: ابنك محمود جاء ليودعك للسفر إلى اليونان لقضاء شهر العسل، ابتسم وقال لها: على بركة الله، أنا أيضا في طريقي لتونس لتصوير مسلسل هناك، وكانت الصدمة ومن دون مقدمات، مات ابنه في حادث إرهابي مأساوي شهير خارج الوطن، نتيجة خطأ في التصويب من قوات مكافحة الشغب وهو يحتفل بأسبوع العسل، عندما وقع حادث إرهابي على الطائرة التي كان  عائدا بها، فإذا بها تحمل جثمانه في بطنها، لم يتحمل الأب الفنان إبراهيم الشامي، وقتها تأكد من دنو أجله هو شخصيا؛ لأنه لن يتحمل تداعيات المأساة، فأوصى أسرته أن يتركوه وحده في شقته القديمة ـ وكان قد انتقل للعيش مع أسرته على نيل القناطر الخيرية في أروع "فيو" يمكن أن تراه عينك.

في رحاب الإمام

ولكنه اختار أن يموت إلى جوار حبيبه سيدنا ومولانا الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه، وفي رحاب المسجد الحسيني عاش ساعاته الأخيرة، كما أوصاهم أن يديروا له أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم التي يقتني كل اسطواناتها تقريبا؛ هي تذكره بروعة سنواته مع الفن، يومها تماسك ابراهيم الشامي كما يحكي لي نجله اللواء إبراهيم إبراهيم الشامي،: أن الوالد تحامل على نفسه متقبلا أمر الله، ذهب مع الأسرة على الفور إلى مطار القاهرة الدولي وكان قد سبقهم كثير من الأصدقاء والجيران وجمهور غفير بعد نشر الخبر صحفيا، استقبل الجثمان وتوجه به إلى المقابر لتوديعه إلى مثواه الأخير، ثم استدار عائدا إلى المنزل، لم يبك ولم تظهر عليه ملامح الحزن، بل ظل متماسكا قويا، وكتم انفعالاته أمام الجميع حتى تملك منه المرض، عاش متمسكا بأصدقائه القدامي، يلتقيهم في صالون فيلته بالقناطر الخيرية بشكل دائم، من بينهم الفنانون: عبد العظيم عبد الحق، محمد رضا وعبدالمنعم مدبولي، طالبا من أبنائه التواصل معهم بعد وفاته، وهو ما حدث بعد الرحيل.

ومات الفنان عم إبراهيم الشامى، بعدما قدم رحلة عطاء فنية مبهرة وحياة عريضة، مثمرة، حتى اختمت مسيرته بالمأساة التي تقبلها راضيا مستبشرا بقضاء الله ..
--------------------------
بقلم: طاهر البهي